وجدت دراسة جديدة نشرتها صحيفة الدايلي ميل البريطانية أنه بإمكان الأطفال في عمر الـ 15 شهرا التمييز بين ما هو عادل وما هو غير عادل، وأكدت جيسيكا سومرفيل ،الباحثة المسؤولة عن الدراسة، أن “المعايير المتعلقة بالعدل والإيثار تُكتسب بسرعة أكبر مما كنا نظن لدى الأطفال”.
وفقا لتلك الدراسة فإن كثير من الآباء قد وضعوا أنفسهم في خانة “اليك” ووضعوا أبناءهم أمام مشكلات نفسية لا حصر لها نظرا لعدم الإنصاف بين أبنائهم كما يؤكد المستشارون التربويون .. فيخص بعض الآباء ابنهم الرضيع أو حديث الولادة بالعطف الكثير في حين أنهم يخصون ابنهم الأكبر بالأشياء المادية الجديدة والهدايا العينية والطلبات التي لا تنتهي والتي ربما يتطلبها سنه والمرحلة العمرية التي يمر بها..
أخطاء تربوية
تقول “هبة” أم لسلمى ،4 سنوات ، وعمر ،عام ونصف : مع بداية العام الدراسي الجديد اضطررت لشراء كثير من الأشياء لسلمى “شنطة جديدة وكتب وملابس المدرسة وأقلام وتفاصيل أخرى كثيرة اشتريتها لأول مرة”.. كانت سلمى سعيدة للغاية بكل تلك الأشياء.. وحقيقة كلما أراد أخوها الصغير أن يشاركها اللعب بالأقلام والأوراق مثلما تفعل نقف جميعا في وجهه ونعطي له لعبة أخرى حتى لا يقوم بتمزيق ما دفعنا فيه دم قلبنا.
“مها” أم أخرى تقول: عندما رزقني الله بابني “عادل” قمت بشراء كثير من الملابس الجديدة له حتى قبل أن يولد نظرا لأنه ابني الأول.. وعندما رزقني الله بأخيه “مهند” لم أستطع أن أشترى كل تلك الأشياء مرة أخرى بل أقوم بترحيل الملابس القديمة الخاصة بعادل لأستخدمها مع مهند. وهكذا تعودنا أن يأتي لعادل كل الجديد أما مهند فيأخذ ما تبقى من عادل، إلا في المناسبات كالأعياد مثلا فلابد أن نشتري للاثنين كل جديد.
سيد ،أب لثلاث أطفال، يقول: عودنا ملك على أن كل شىء لها لأنها الطفلة الأولى.. وعندما رزقنا الله بنور الدين تعودنا بدون قصد أن يشاركها في ألعابها.. ولم نكن نشترى له أشياء جديدة كثيرة مثل أخته.. انتبهنا بعد ذلك عندما لاحظنا أن ملك تمنع أخوها من اللعب معها وتقول أن تلك الأشياء كلها خاصة بها.. حتى عندما نشترى له شيئا خاصا بالأولاد تصمم أن هذا الشىء خاص بها، وهي من ستقرر متى سيلعب به ومتى لا يلعب.. عرفنا أن هذا خطأنا منذ البداية ونحاول الآن تعديل الوضع وإفهامها أن أخوها له في كل شىء مثلها تماما.
قناعة أبوية
في تعليقها على هذا الموضوع تقول منى أحمد ،المستشارة التربوية: يجب على الآباء العدل بين الأبناء فى بداية حياتهم حتى قبل أن يتموا 15 شهرا ، لأن التفكير يؤثر بشكل كبير فى السلوك، ومن هنا لابد أن تكون هناك قناعة قبلية لدى الآباء فى التربية على مبدأ العدل بين الأبناء مهما اختلفت أعمارهم، فالمعيار ليس ما قد يظهره الإبن من فهم لما يقوم به الآباء بقدر أن يكون على أساس هذه القناعة.
واذا كان طفل الـ15 يشعر بالفعل بمدى العدل بينه وبين أخيه فهنا أصبحت ضرورة قصوى أن يتعامل الأهل من هذا المنطلق ويراعوا المساواة بين الأطفال، ويكثر أن نرى نوعا غريبا من الإيثار تتبعه بعض الأسر فنجدهم يؤثرون الكبير على الصغير إيثارا ماديا لاعتقادهم بعدم وعى الصغير، ويؤثرون الصغير على الكبير معنويا وعاطفيا ظنا منهم أنه يحتاج للحب والرعاية بشكل أكبر، والحقيقة أنها مفاهيم خاطئة فى الحالتين، فكل منهما يحتاج المساواة والعدل فى المعاملة المادية والمعنوية.
وتتابع: ما لا يدركه الآباء أن الأطفال ذووا حساسية كبيرة لتعاملات الآباء معهم.. بل يستطيعون الإحساس بالابتسامة وردود الأفعال الوالدية ومدى صدقها. وبالفعل قد نجد أسرا لا تهتم بأثر عدم المساواة بين الأبناء لينتهى الأمر أن ينال الطفل الأصغر كل أشياء أخيه المستعملة، والحقيقة أنه أمر خطير جدا ليس للطفل الأصغر فقط وإنما للطفل الأكبر الذى قد يعتاد الحصول على كل شىء لنفسه.
وتؤكد منى أحمد أن الأصوب في هذه الحالة أن يكون الأصل حصول كل منهم على أشيائه الجديدة الخاصة به، ولا ضير فى بعض الأحيان من الاستعانة ببعض أشياء الأخ الأكبر الصالحة ولكن برضى من الطفل الأكبر والتحدث معه على أساس كونها لم تعد تناسبه وفى نفس الوقت إمكانية استعمال أخيه الأصغر لها، مع مراعاة شراء جديد لكل منهم فى نفس الوقت حتى ولو كان شيئا بسيطا لتحقيق المساواة.
وقد يتعجب الآباء من طفل الـ15 شهرا إذا ما شعر بالضيق وحاول أخذ أشياء أخيه الجديدة إذا لم يحصل على مثلها، وقد يضحكون ويتناولون الأمر بشىء من المرح وهم لا يعلمون أنه أمر خطير ويترك أثرا سلبيا على الطفلين.
وتلفت منى أن العدل بين الأبناء من السهل تحقيقه وأن لكل مرحلة عمرية احتياجاتها ولكل طفل فى هذه المراحل أشيائه المناسبة لسنه، والعدل لا يتمثل فى إحضار أشياء متشابهة للطفلين وإنما فى احضار ما يناسب كل منهما ويحتاجه ويناسب قدراته.
وتدلنا أنه إذا كان علي كل أب وأم أن يطالبو أبناءهم بعلاقة ودودة بينهم فمهم ألا يكونوا سببا فى وضع بذرة لإفساد هذه العلاقة فى بدايتها بعدم العدل والمساواة. وأن كلمة السر هي القناعة الداخلية بالعدل بين الأبناء مهما اختلفت أعمارهم لتحقيق مبدأ المساواة عند الكبير والصغير، وأنها قيمة من المهم أن يدركها الآباء جيدا، وأن كلمة السر الثانية هى الوعى التام بقدرة الطفل على استقبال كل رد فعل من الآباء تجاه اعتراضاته وطلباته المتماثلة لشقيقه ووضعها فى مكان ما بعقله ووجدانه ليعلن عن أثرها فى وقت لاحق.
العدل في خطوات
ومن جهتها تعلق د.وفاء أبو موسى ،الخبيرة النفسية في مجال الطفولة، على الدارسة السابقة لافتة أن الطفل لديه معرفة عما هو منصف أو غير منصف، لأنه يدرك الملموس أي يدرك ما تراه عيناه وتلمسه حواسه الأخرى فيعرف أنه حصل على تفاحة واحدة وأخيه تفاحتين، ومن جهة أخرى فإن الطفل لا يدرك الأسباب وراء عدم إنصافه مثل أنه لم ينصف لأن أخيه الأكبر هو من التحق بالمدرسة فاشترى له الأب أشياء كثيرة جميلة خاصة بالدراسة، ومن هنا تدب في حياتهم الكثير من المشكلات النفسية كالغيرة والمشكلات السلوكية كالعناد وهما تعبير عن رفض الطفل لما يمارسه والديه من أساليب غير عادله بين الأخوة.
وتوضح أن ما توصلت إليه الدراسة يؤكد ما ذكره سيدنا محمد ، صلى الله عليه وسلم: “اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم”. [ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم بسند صحيح، وصححه الألباني ]. وأيضا قوله:” ساووهم حتى في القبل”.
وعن كيفية التغلب على مشكلة التمييز بين الأطفال.. تنصح أبو موسى أن يتم ذلك من خلال:
– البدء في معاملة الأبناء بدون تمييز على جميع المستويات العاطفي والمادي.
– وضع نظم تربوية تطبق على الجميع دون استثناءات إلا في حالة المرض أو العجز.
– عدم مقارنة الطفل بطفل آخر لأن المقارنة تحقن الطفل بالبغضاء والغضب.
– تبني أساليب عادلة من التعزيز أو الوعيد في معالجة القضايا التربوية للطفل.
– تزود الوالدين بكل ما هو جديد في التربية كي يقدمون لأطفالهم أساليب تربوية ناجحة في الحياة.
– التقييم المستمر للوالدين أي أن يقيم الوالدين أساليبهم التربوية للأبناء تقييم بنائي أولا بأول.. فيسألون.. أي تلك الأساليب أنجح من الآخر وأيهما لا يناسب أطفالهم.