أحياناً تكون هناك أيام جيدة بالنسبة للطفلة ياسمين، حيث تتحدث بطلاقة وتخرج منها الكلمات بسهولة وبدون الاضطرار إلى إعادة نطق الكلمة مرات عديدة. وفي أيام أخرى تكافح الطفلة ذات الخمسة أعوام ضد التلعثم أثناء الكلام. وتحكي والدتها آنيا فري، أن ابنتها تأتي إليها وتقول :”ماما، اليوم هو يوم سخيف، فالكلمات لا تريد أن تخرج من فمي”.
وتعاني الأم ذات الـ 35 ربيعاً من التلعثم أثناء الكلام أيضاً، فضلاً عن أنها تدير مجموعة المساعدة الذاتية للمتلعثمين بمدينة شتوتغارت جنوبي ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك فإنها قامت بتأسيس شبكة لآباء الأطفال المتلعثمين. وتقول آنيا إن هناك كثير من الأشخاص البالغين غير قادرين على التعامل مع المرض، موضحة :”إنهم لا يريدون الاعتراف بأن أطفالهم يعانون من مشكلة التلعثم”.
ودائماً ما يتعامل الأشخاص الكبار مع ظاهرة التلعثم في الكلام بطريقة غير صحيحة. وأشارت فالبورغا بروغه، أخصائية التخاطب بمدينة هام غربي ألمانيا، إلى أنه في أغلب الأحيان يكون من الأفضل تجاهل الاضطراب في طلاقة الكلام عند الأطفال في البداية، وعدم الحديث معهم حول هذا الموضوع، موضحة :”وإلا سيتم استدعاء موضوع ربما لا يعاني منه الطفل أصلاً”. وتجدر الإشارة إلى أن أخصائية التخاطب هذه قامت بالاشتراك مع زميلتها كاترينا موس بتأليف كتاب عن ظاهرة التلعثم عند الأطفال.
ويحذر فرنر راوشان من أن مناقشة موضوع التلعثم في الكلام ينقل إلى الطفل إحساس بأنه يفعل شيئاً خطأ. والجدير بالذكر أن فرنر راوشان يعمل أيضاً كأخصائي تخاطب بمدينة زاربروكن جنوب غرب ألمانيا، ويقوم في عيادته بعلاج الأطفال والبالغين من ظاهرة التلعثم في الكلام.
وأوضح الخبير الألماني أنه عندما لا يعثر الأطفال على الكلمات المناسبة على الفور، أو يقومون بتكرار الجملة عدة مرات، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يتلعثمون في الكلام. وأضاف فرنر راوشان :”هذا الأمر يدخل في إطار التطور الطبيعي للغة”، حيث يجب أن يتعلم الطفل أولاً الحديث بطلاقة.
غير أنه من الصعب على الآباء تحمل مسألة حدوث تعثر في تطور اللغة لدى أطفالهم. ولذلك فإن الخبير الألماني فرنر راوشان ينصح الآباء في هذه الحالة بضرورة استشارة أخصائي تخاطب، ولكن دون اصطحاب الأطفال معهم في البداية.
ولا يستطيع الآباء التأثير على ظاهرة التلعثم في الكلام، غير أن الأجواء التي يتم فيها إجراء الأحاديث يمكن أن تكون مفيدة في التغلب على هذه الظاهرة. وأضافت أخصائية التخاطب فالبورغا بروغه :”من الأمور المهمة عدم مقاطعة الطفل أثناء الكلام، وأن ينظر الآباء إليه باستمرار عندما يريد الطفل أن يحكي شيئاً ما”. وينطبق ذلك بصفة خاصة عندما يكون الطفل مضطرباً ومشوشاً، أو عندما يحاول عدة مرات إنهاء الجملة التي يرددها. وأوضحت الخبيرة الألمانية :”وإذا نظر الآباء بعيداً عن الطفل، فإنه يشعر بأن هذا التصرف بمثابة نوعاً من العقاب”.
ومن الأمور المهمة أيضاً أن يوضح الآباء للطفل بأنهم لديهم الوقت الكافي لكي يستمعون إليه. وإذا لم يكن هناك وقت كاف، فإن الخبير الألماني فرنر راوشان ينصح بأنه ينبغي على الآباء إخبار الطفل بذلك، حيث يمكنهم على سبيل المثال قول :”انتظر، يجب أن أنتهي من هذا الأمر أولاً، وبعد ذلك سيكون هناك متسع من الوقت لكي استمع إليك”. وعلى الجانب الآخر ينبغي على الآباء تجنب جميع أنواع التعليمات والتحسينات، وحتى العبارات التي تبدو جيدة مثل “ابدأ مرة أخرى، يمكنك قول ذلك بصورة أفضل”؛ لأن الآباء بذلك يضعون الأطفال تحت ضغط بشكل إضافي.
وفي البداية يمكن للآباء أن يلاحظوا لبعض الوقت، ما إذا كان التلعثم في الكلام يختفي مرة أخرى. وإذا لاحظ الآباء أن طفلهم يتجنب الحديث أو أنه لا ينطق كلمات معينة إلا تحت ضغط وإلحاح شديد، ففي هذه الحالة ينبغي البدء في علاج هذه الظاهرة لدى أخصائي تخاطب، حيث يتعلم الأطفال أثناء العلاج التحدث بحرية وبدون خوف أو قلق. وتعتمد هذه الجلسات العلاجية على الألعاب، ويقول أخصائي التخاطب الألماني فرنر راوشان :”إنني أجعل الأطفال يتحدثون مثلاً باستخدام عرائس اليد أو بشكل إيقاعي”.
وبينما يتعامل الأطفال مع ظاهرة تلعثمهم في الكلام بشكل طبيعي في سن ما قبل المدرسة، فإن هذا الأمر عادة ما يتغير بعد دخول المدرسة، ويقول فرنر راوشان :”يتطور الأمر لديهم إلى الشعور بالخوف من التحدث أمام الفصل، وعندئذ تصبح الصعوبات أقوى من السابق”.
وقد قامت آنيا فري بمواجهة هذه المشكلة بقوة، حيث عانى ابنها، البالغ من العمر سبع سنوات، أيضاً من التلعثم في الكلام بعد دخوله المدرسة لبعض الوقت، وكان يتحدث بشكل غير واضح تماماً. وأضافت :”لقد ناقشت هذه المشكلة مع المدرسين والآباء”، لأن ذلك أفضل من أن يُنظر إلى ابنها بشكل خاطئ.
كما تعاني ابنتها بصفة خاصة من صعوبات التحدث أمام الغرباء، وتعلل آنيا فري ذلك بقولها :”نظراً لأنه يوجد لديها معوقات، فهي تفضل أن تتحدث بصوت منخفض”، ولكنها تخضع الآن للعلاج لدى أخصائية تخاطب، حيث سيساعدها ذلك على التحدث بطلاقة.
ومع ذلك لا ينجح أخصائي التخاطب في كل الحالات من التغلب على مشكلة التلعثم بشكل تام. ويتمثل هدف العلاج في جعل المرضى في حالة لا يتأثرون فيها بمشكلة التلعثم في الكلام، وأضاف فرنر راوشان :”وبالتالي لن يكون هناك توتر أو ضغط، كما أنهم يتعلمون كيفية التعامل مع صعوبات الحديث”.
وقد ساعدت طريقة التفكير هذه آنيا فري كثيراً، وتقول :”في وقت ما عندما كان عمري 14 أو 15 عاماً اكتشفت أنه من الصعب للغاية تطبيق أي من تقنيات التنفس. وقد تقبلت بكل سهولة مسألة أنني سأعاني من التلعثم في الكلام على الدوام. وبعد ذلك سارت الأمور على نحو أفضل”.
صندوق المعلومات: سرد الأحداث اليومية
يعتبر الآباء بمثابة النموذج اللغوي لأبنائهم. وحتى يتعلم الأطفال الحديث عن حياتهم اليومية تنصح خبيرة التخاطب فالبورغا بروغه بأنه ينبغي على الأم والأب أن يحكوا عن الأمور التي حدثت أثناء يومهم أمام الأطفال. وقد يكون ذلك أثناء تنفيذ بعض الأشياء المشتركة أو من خلال أحد الطقوس اليومية، كأن يجلس جميع أفراد الأسرة سوياً لمدة نصف ساعة بعد تناول الطعام، ويحكي كل منهم عما دار خلال يومه.