كان عشاق دار “ألكساندر ماكوين” على موعد مع الإثارة والغموض عند انطلاق عرض مصممة الدار الحالية سارة بيرتون في أسبوع الموضة الأخير لموسمي ربيع وصيف 2012، والذي اختتمت فعالياته في عاصمة الأناقة باريس مؤخرا، لتؤكد من خلاله مرة أخرى فنها البديع وذوقها اللافت الذي أهلها لحمل إرث المصمم الراحل بنجاح وتألق.
تعد مجموعة مصممة دار “ألكساندر ماكوين” سارة بيرتون الجديدة الأولى بعد تصميمها لفستان الزفاف الملكي لكيت ميدلتون زوجة ولي العهد البريطاني الأمير “ويليام”، والثالثة بعد وفاة المصمم ألكساندر ماكوين، وبالرغم من أن مهمة حمل ميراثه الإبداعي والفني لم تكن بالمهمة السهلة ولا الهينة على الإطلاق، إلا أن المصممة الشابة كانت على قدر المسؤولية، حيث أثبتت ولكل العالم أنها مؤهلة لتقود دار أزياء ماكوين بجدارة، بل وتأخذها معها لمستويات قياسية أعلى من الفن والخيال.
مشهد فنتازي
جاء عرض “ماكوين” الجديد لخط الملابس الجاهزة الربيعي، وكأنه احتفاء بذكراه وإجلالا لموهبته وتخليدا لاسمه، فظهر بشكل فنتازي ساحر وبمشهد يخطف الأنفاس، جعل من عروض أسبوع باريس الأخرى تبدو باهتة، بل ومتواضعة مقارنة به، لتخرج العارضات بهيئة دراماتيكية ومسرحيه مؤثرة، وكأنهن مخلوقات رائعات قدمن من عوالم أخرى نائية وبعيدة المنال، ليتهادين على المنصة وهن فخورات شامخات بمظهر ملوكي غامض، يغمرهن سحر غير ملموس، متشحات بنماذج مبتكرة تبدو شديدة التكلف، تحمل طاقات كامنة من الفرادة والجمال، استمدتها المصممة من وحي أسرار المحيطات وتلك الكائنات البديعة التي تسكن أعماق البحار، وما تراءى إليها من هدير الأمواج وألق اللآلئ والأصداف مع براعم متفرعة لشعب المرجان، لتظهر من خلالها تصاميم وموديلات متنوعة ومختلفة من الفساتين الفخمة والتايورات الراقية مع المشدات الضيقة “كورسيهات” التي تقولب الجسد وتحتضن القوام، مختزلة بين أشكالها المختلفة وخطوطها المثيرة، تفاصيل عديدة وصغيرة تثير الحيرة وتشد الأنظار.
بعد ثالث للجمال
لعل المتابع لعروض “ماكوين” الثلاثة التي أطلقتها بيرتون بعد رحيله، سيكتشف بلا ريب بأنها كانت تلميذة نموذجية لخطه المتميز، استخدمت أدواته وما نهلته من طرازه البديع، بأسلوب مدروس، لتمنحه من روحها وبنات أفكارها بعدا ثالثا من الفن والجمال، فتطوره وتصل به إلى آفاق عالية من الأناقة والترف، وتميزه بغنى وثقل لناحية القصات، الخامات، والمظهر العام، وكأنها تدخل الحضور معها كوكبا آخر، فتأخذهم برحله عبر الخيال وتتحفهم معها بأنماط جديدة ومختلفة من الأزياء، التي ستعد كإيقونات نموذجية للابتكار ستبقى حاضرة في ذاكرة الموضة لعقود، معتمدة أسلوبا متكلفا وغير معتاد في تنفيذ القطع والموديلات، لتغنيها بخطوط مثيرة وقصّات معقدة، مع كشاكش وريش، والكثير من عناصر الحداثة والمعاصرة، لتعكس من خلالها صورا متنوعة للفخامة والثراء، مولفةً بحرفية بين العديد من الخامات والأقمشة مثل الدانتيلات الرقيقة، الأتوال الشفافة، الحراير الناعمة، الأورغنزا الشنجان، مع الجلود اللدنة، والكثير من الشك اليدوي والمطرزات النافرة، والمطعمة بعروق اللؤلؤ وقطع المرجان الأبيض والأحمر والزهري، مع مشغولات بديعة بالترتر والخرز وأهداب طويلة ومتحركة من القصب اللامع، تعلوها أطياف متماوجة من الستراس تلتقط الضياء لتبرق أثناء الحركة والمشي.
طقوس أسطورية
ظهرت تشكيلة “ماكوين” الأخيرة وكأنها تحتفي بطقوس أسطورية غامضة، لتطل كل عارضة فيها بملامح ملائكية ضبابية وغير محددة، متقمصة شخصية حوريات البحر في قصص الخيال، تلك الأنثى التي تبدو حقيقة وغير حقيقية في الوقت ذاته، وكأنها نجمة ساحرة سمت من أعالي البحار، وأتت مغلفة بتلك النماذج الرائعة من القطع والأزياء، تحيطها هالة مهيبة من الألوان، والتي فضلتها بيرتون من ظلال ودرجات معينة تشي بألق معدني وضوء خجول مستتر، يغلب عليها بريق الصدف وعاجية اللؤلؤ، مع غنى الذهب المعتّق ودفء عروق المرجان، بألوانه الثلاثة، الزهري والأحمر والكريمي. كما كان هنالك حضور لرقة البنفسجي الليلكي مع سطوة الأسود الملك بكل ما يمثله من قتامة وقسوة، مع شطحات معدنية متألقة هنا وهناك من تدرجات الرمادي الفضي وخيالاته البعيدة المنال.
وكانت الاكسسوارات في باقة “ماكوين” لموسمي ربيع وصيف 2012 حاضرة بشكل مقنن، لتوظفها المصممة الواعدة في إطارها الصحيح، وتظهرها عند الحاجة واللزوم فقط، بحيث خلت تماما من عنصر المجوهرات ربما لغناها الشديد وزخرفتها المتكلفة التي لا تحتاج لمزيد من البهرجة والإضافات، مكتفية بإظهار تشكيلة من الأحزمة العريضة، تلك التي تؤطر الخصور وتحدد حجمها بغواية، لتصحبها مجموعة راقية من الصنادل المفتوحة ذات الكعوب المائلة والشديدة الارتفاع، مع نماذج من أحذية ما يسمى بالجلاديتر المشبكة والتي تشبه طراز ما يرتديه المصارعون الرومان في العهد القديم، تزينها أما زهور نافرة ومتناثرة، أو عروق بارزة ومتحركة الأصداف والمرجان.