تعلّم معظمنا كيفية التشاجر من خلال مشاهدة الآخرين، وخاصة من خلال مشاهدة والدينا. وبالرغم من عدم صحة لوم الآخرين على افعالنا وسلوكياتنا الخاطئة، فإن الوضع هنا مختلف.
فعلماء النفس اجمعوا على ان سلوك المجادلة والمعارضة المستمر واتخاذ اسلوب الصراخ والشتائم في الجدال هو سلوك نتعلمه او نكتسبه من والدينا. كما لاحظت ابحاث علم النفس ان الاطفال الذين يشهدون المشاجرات والمجادلات الانانية وغير العادلة في المنزل، هم الاكثر قابلية لإثارة المشاكل واستخدام اشارات الغضب والصراخ كوسيلة لحل أي موقف او مشكلة في حياتهم.
طبعا، لا يريد أي منا أن يؤذي اطفاله او يعلمهم امرا يضر بهم وبتطورهم الاجتماعي. كما نريد جميعنا ان تكون علاقاتنا الزوجية صحية وجيدة. لذا من المهم ان نتعلم الطريقة الصحيحة للمشاجرة. وأهم ما يميزها النقاط التالية:
1- تشاجري بعدالة
من المهم ادراك أنه لا توجد علاقة من غير شوائب او عيوب، وأن كل الشركاء يتجادلون من حين إلى آخر. لكن من المهم ان نتعرف على الوقت الذي تصل فيه المجادلة او الشجار الى مرحلة غير صحية.
فما الاشارات او الدلالات؟
من أهمها، بدء السب او اطلاق الاسماء او الغضب الجسدي، فهنا يجب ان نتوقف ونقرع جرس الاستراحة حتى يذهب كل من الطرفين الى زاويته ليرتاح قليلا. فعندما تخرج الكلمات منا او من شريكنا، ويكون هدفها الوحيد هو الاذية وجرح الطرف الآخر، فذلك يدل على ان الحد الصحي للجدال قد جرى تجاوزه، وأننا دخلنا في نطاق المشاجرة غير البناءة، بل الهادمة للعلاقة. على سبيل المثال، إن لم تتمكني من شرح غضبك لشريكك حول امر ما، مثل كونه لم يساعدك او فشل في تعديل امر ما، من دون ذكر كلمات سلبية مثل «انك عديم الفائدة» او «كسول» او «غبي»، او من دون الاشارة الى انه طفل امه المدلل او ذكر امثلة من عائلته، فأنت هنا لا تتشاجرين بعدالة ولا تريدين حلا، بل تنفيسا لغضبك وجرحا لشريكك فقط.
ومن المهم ايضا عدم ذكر كلمات مثل «ابدا، دائما، الصحيح والخطأ، الواجب» في سياق الحوار، ففي اي وقت نقوم به بوصف علاقتنا او شريك حياتنا بهذه التصنيفات، فنحن نضع العلاقة ضمن اطار انها اما بيضاء او سوداء وأنها لن تتغير ابدا. وهو الامر الذي لا يجعلنا نصل الى الحلول، بل اللف والدوران وذكر التبريرات فقط.
2- اتركي غرورك عند الباب
نرغب جميعنا في أن نكون على صواب. فإنه لشعور جيد أن تكوني انت المحقة وشريكك هو المخطئ، فذلك يغذي غرورك وكبرياءك. لكن تذكري، ان كنت تتشاجرين باستمرار بهدف ان تظهري للزوج أنك على حق وحتى تفوزي، فإنك تضعين غرورك قبل أهمية توطيد العلاقة او مراعاة مشاعر الشريك.
انتبهي الى أن شعورك القصير بفرحة الانتصار والنجاح سيتلاشى او يكون باهتا مقارنة بالشعور بانك في علاقة صحية وقد ازدادت توطدا بعد الشجار. ولا تغفلي حقيقة ان الشجار او الجدال لا بد من ان يكون مرنا ويهدف الى فهم الآخر، وأن التوصل الى حلول يتطلب النقاش بشكل صريح وناضج من دون كبرياء وحب لإثبات انك الأذكى او الافضل. فالشجار سيعرفك بشكل اكبر على ما يريده الآخر وعلى ما يحبه ويكرهه.
3- تحملي مسؤولية ردود أفعالك
يحتاج الشجار الى شخصين حتى يبدأ، ولكنه يتطلب تصرفا او قول شخص واحد حتى يغير من اتجاهه الصحيح. والطريقة الصحيحة للتعامل بشكل جيد مع الخلاف هي التحدث بطريقة لا تشير الى التحدي او الامر واللوم. ولتقومي بذلك، ابدئي الحوار بالمشاركة بمشاعر نفسية او جسدية، ثم ناقشي سبب هذه المشاعر، ثم ابرزي الحقيقة التي تعرفينها، وفي النهاية حددي الحل او ما تريدينه.
على سبيل المثال، الطريقة السيئة للحوار تشبه السيناريو التالي: «انت غير مراع لمشاعري ابدا، فلا تتصل عندما تتأخر، اتصلت بك ثلاث مرات ولكنك كنت كعادتك مشغولا كثيرا مع اصدقائك بحيث لم تفكر بالرد علي». بينما الطريقة الجيدة والبناء للحوار تشبه السيناريو التالي: «اشعر بالقلق الشديد والخوف عندما لا اسمع منك الى وقت متأخر في الليل، وقد اتصلت بك ثلاث مرات ولكنك لم ترد. سيريحني كثيرا لو انك تتصل او تخبرني بأنك ستتأخر حتى لا اقلق عليك الى هذا الحد».
4- اسمعي الطرف الآخر
اثناء النزاع، نحن نريد ان نحصل على الفرصة الكاملة لشرح وجهة نظرنا وجانبنا من المشكلة وتنفيس غضبنا وان نصل الى ما نريده. ولكن لا يجب علينا ان نغفل أن هنالك طرفا آخر للموضوع، يجب الاستماع له وتقديره. ولا تنسي أن لشريكك مشاعر واعتقادات وسلوكيات قد تكون مختلفة تماما عما تتصورينه او تعتقدين انه منطقي. لذا، بدلا من فرض جانب من القصة والجدال عليه، لا تنسي الاستماع الى شريكك وتفهم وجهة نظره. فان كنت قد وصلت الى نقطة لا يهمك فيها الرأي الاخر او ما يشعر به، وكل ما تريدينه هو التنفيس عن غضبك وجرح وتأنيب الطرف الآخر، فتوقفي عن الجدال، وأشيري الى ان مشاعرك جياشة ولا تمكنك من تفهم او مناقشة أي امر حاليا.
ويفضل هنا التوقف، والاشارة الى افضلية اكمال النقاش في وقت تكون مشاعرك اقل حدة، بحيث يمكنكما التحدث حول الامر من جميع الجوانب. عندما نتحمل مسؤولية تصرفاتنا وطريقة حديثنا ونفكر في عواقب ما نقوله، عندها فقط سنقلل من عدد المشاجرات ونعلم اطفالنا طريقة الحوار الصحي. ففي النهاية، كل ما نريده في الحياة هو ان نعلمهم اسلوب التواصل الناجح ونعدّهم لحياة سعيدة.