ليس هناك أجمل من الذهب للزينة وللاستثمار، فسحره لا يخفت مهما تغيرت الموضة والاتجاهات. وفي ظل ارتفاع أسعاره الصاروخية في الآونة الأخيرة فإن التحدي أمام المصممين أيضا ارتفع وزاد سخونة، وبات عليهم أن يجدوا حلولا جديدة لهذا الأمر الذي يمكن أن يتحول إلى معضلة، خصوصا وأن العملية تعني أيضا عدم التنازل عن التصميم الأنيق والقيمة التي يفترض أن تتضمنها أي قطعة ذهب.
التحدي الأول هو ما إذا كان بإمكانهم استخدام نفس كمية الذهب التي كانوا يستخدمونها من قبل، أم سيقومون بتعديل تصميماتهم وإدخال تقنيات جديدة. وبالفعل فإن الملاحظ أن التغيير لمس التقنيات بشكل كبير، وهو ما وضح من خلال تصاميم تبدو في نعومة الدانتيل وبتخريماته الرومانسية التي تحاكي الأزياء حينا والمشربيات الشرقية حينا آخر.
نظرة واحدة على موضة السنة الأخيرة تشير إلى أن القطع الذهبية المنقوشة أو المخرمة أو المنحوتة والمدقوقة والشريطية والسلكية قوية، وأن معظمها يصب في خانة الأناقة اللامتناهية سواء كانت من دار جواهر إيطالية مشهود لها بالإبداع مثل «بوميلاتو» أو المصمم روبرتو كوين، أو فرنسية مشهود لها بالأناقة مثل «شانيل» أو «فان كليف أند أربلز»، أو «كارتييه» وغيرها، أو من مصممين أقرب إلى نحاتين وفنانين مثل جوليا موغنبورغ، صاحبة ماركة «بلماكس». وحتى في الحالات التي كان الهدف فيها تخفيف كمية الذهب المستعمل فإنها لم تفتقد عنصر الجمال، لأن الأولوية تبقى للتصميم المغري وليس لمراوغة السوق بحكم إمكانيات هذه البيوت وسمعتها في السوق.
لا ينكر روبرتو كوين أن «الذهب يؤدي إلى حدوث مشكلات بسبب ارتفاع أسعاره بشكل سريع، مما ينتج عنه ازدياد نفقات الصناعة بصورة هائلة بسبب المضاربة في البورصة»، مضيفا أن هذا «يتطلب إيجاد سبل من أجل الحفاظ على استقرار أسعار التجزئة».
لكن السبب الثاني والقوي وراء ظهور هذه التصاميم أن اتجاهات الجواهر أصبحت تتبع الموضة، ألوانها والكثير من تفاصيلها، بما في ذلك الأقمشة بتطريزاتها ومخرماتها. وبما أنه لا يخفى على أي أنيقة أن موضة الدانتيل منتعشة منذ فترة، سواء في الأزياء أو الإكسسوارات، كان لا بد أن تصل إلى الجواهر، طال الوقت أو قصر. فتشكيلات الثنائي الإيطالي «دولتشي أند غابانا» و«فالنتينو» و«ديور» كانت جد رومانسية وعصرية في الموسم الماضي، كما أن فستان زواج دوقة كمبريدج، كايت ميدلتون، الذي صنع من دانتيل خاص في شمال فرنسا، كان له مفعول السحر لإعادة هذا القماش إلى الواجهة، خصوصا وأن المرأة باتت تتوق إلى معانقة أنوثتها، لكن بهدوء يتماشى مع العصر وإيقاعه. هذا التوق أصبح ينعكس على الذهب وتصاميمه أيضا، مما يؤكد أن الكثير من دور الجواهر تبنوه من باب الابتكار والموضة وليس لاعتبارات السعر والتكلفة. فالمرأة التي لها الإمكانيات لشراء قطعة من الذهب لن توقفها الأزمة الاقتصادية عن شراء قطعة جواهر مميزة يمكن أن تبقى معها زمنا طويلا. كما أن من سيهدي هدية إلى شخص عزيز لن يحجمه ارتفاع سعر الذهب عن ذلك.
ما نتج عن الأزمة أنها أعطت طاقة إضافية للمصممين للبحث عن أساليب جديدة وتصاميم أخف وزنا، فضلا عن فرصة لدمج معادن مختلفة.
«لقد استغرق الأمر خمس سنوات لإتقان المجموعة الجديدة الخاصة بنا»، هكذا قال روبرت ستيرن، عن مجموعة الجواهر الجديدة «غروبو كوربو» التي استوحيت من الحركات الإيقاعية المائلة لمجموعة الرقص البرازيلي المعاصر.
«إننا نهدف إلى تحقيق توازن مثالي بين خفة الوزن والراحة والاستمرارية. فأقراط أذن مثلا يجب أن تكون أقل من ست غرامات حتى تكون أكثر راحة، مما يستدعي تجويف الذهب والطرق عليه بدقة لعمل أنسجة متنوعة، بينما يتم صقل بعض الأسطح حتى تعطي مظهرا مصقولا».
مجموعة «مراكش» الجديدة لباميلا بيكاسو أيضا تتميز بعمل شبكي إسلامي، وهو أسلوب تصفه الشركة بأنه «جديد ولم يكتشفه أحد». حتى شركة «هيرميس» المشهورة بتصنيع الذهب من الوزن الثقيل أصبحت تميل إلى الوزن الخفيف في مجموعة «باسيريلي» لبيير هاردي. أما «شانيل» فأغدقت على المرأة المقتدرة مجموعة بيزنطية استوحتها من الدانتيل كما من المشربيات التركية والشرقية عموما، صاغتها من الماس من دون أي محاولة أن تقتصد أو تنقص من قيمتها.
لكن المشكلة الرئيسية تبقى قائمة أمام المستقلين، وتتمثل في أن الكثير من هذه القطع تتطلب عمليات مرتفعة التكلفة وكثيفة العمالة وأعمالا يدوية لتضع قضية التكلفة في المحك. فعدد من المصممين يستخدمون موضع الفص من الخاتم لوضع الأحجار التي تسمح بمرور الضوء وتستخدم كمية قليلة من الذهب أو تستخدم قواطع الليزر أو أسلاكا من الذهب»، وهو ما تعلق عليه كارولينا بوتشي، المصممة المشهورة بقطع الحرير والذهب، قائلة إنها تستخدم طرفا مدببا من الماس لضرب القطع الصغيرة من الذهب، مما يجعلها أكثر إشراقا وتبدو أكبر حجما.
من جهتها أطلقت أنوشكا دوكاس مجموعة تتكون من قطع ذهبية مجوفة ومضروبة وذات أطراف مصقولة، معلقة على الأمر بقولها: «أصبح كل شيء أخف وزنا، لكنْ هناك خط رفيع بين قطعة أنيقة وقطعة تفقد قيمتها. إننا نقوم بتصنيع قطع ذات جودة عالية في إيطاليا والهند والمملكة المتحدة. وفي الوقت الحاضر فإن أسعار الذهب تسير بسرعة أكبر من تكاليف العمالة».
ورغم ذلك فإن التوازن أمر معقد، إذ عليك أن تجعل كل قطعة أكثر رقة مع المحافظة على القوة والصلابة كما على قيمة القطعة الذهبية، التي لا يبدو أن بريقها سيخفت مهما ارتفع سعر الذهب. فالمادة ليست القضية، لكن المهم هو الأسلوب والمهارة. وإذا كان الناس مستعدين للشراء فسيقومون بذلك بغض النظر عن السعر.