لا شك أن تغيرات كثيرة قد طالت المرأة العربية نظرا لتغير الظروف المحيطة بها, فلم تعد المرأة العربية هي ذاتها منذ عقود مضت بل أصبحت شخصية جديدة لها طموحاتها ولها اهتماماتها بل أصبحت أيضا لها قضاياها التي تتبناها وتدافع عنها حتي أن هذه القضايا لم تعد مقصورة علي قضايا الأسرة والمجتمع المحلي…
بل توسعت حتي طال اهتمامها القضايا ذات الطابع العالمي وهذا ما أكدته أخيرا دانة الحمادي الإماراتية التي اهتمت بقضايا البيئة والاحتباس الحراري ومشكلات المياه علي مستوي العالم فلم تتردد في خوض مغامرة القيام برحلة إلي أبعد نقاط الأرض لتصبح أول سيدة إماراتية تطأ قدماها القطب المتجمد الجنوبي وكان من أهداف هذه الرحلة تحقيق معايشة الاستدامة بالنسبة لمشكلات المياه خصوصا أن منطقة القطب الجنوبي تستحوذ علي 72% من مخزون المياه العالمي.
ودانة الحمادي خريجة كلية التقنية العليا وتعمل في مؤسسة اتصالات منذ نحو 15 عاما وتجيد عدة لغات منها الإنجليزية والإيطالية وهي أيضا أم لخمسة أطفال 3 منهم بنات وأصغرهم عمره 3 سنوات وحول الأسباب التي دفعتها إلي الاهتمام بقضايا البيئة تقول دانة: لقد بدأ اهتمامي بهذه القضايا منذ خمس سنوات تقريبا حيث قرأت وأجريت عدة أبحاث حول قضايا البيئة وقد عرفت من خلالها أن ما نستهلكه في الإمارات من مياه تشكل المياه المحلاة من البحر منها ما يقرب من 99,6% من مجموع المياه التي نستهلكها, بينما يشكل الجزء المتبقي خزين المياه الجوفية والعيون والينابيع فرأيت أن علينا النظر إلي قضية المياه والحفاظ عليها والبحث عن البدائل المستدامة لموضوع المياه.
كما أن التقارير العلمية تفيد أن الإمارات هي إحدي أعلي الدول من ناحية البصمة الكربونية وهو أمر بيئي خطير يجب الانتباه له للحفاظ علي مستقبل أجيالنا القادمة, لأن تدفق وانبعاث مجموع الغازات الدفيئة من مصادر الطاقة الذي تعنيه هذه البصمة يشكل خطرا صحيا وبيئيا علي المدي البعيد علي تلك الأجيال.
وقد لاقت دانة كل الدعم داخل الإمارات قبل القيام برحلتها متمثلا في مساندة مجموعة من أبرز المؤسسات الإماراتية ومن أبرزها نادي تراث الإمارات بدعم مباشر من الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي وديوان سمو ولي عهد أبوطبي وكانت رحلة دانة الحمادي قد نظمتها مؤسسة FZE Ilearn الدولية البريطانية وعن بداية الفكرة لهذه الرحلة تقول دانة:
إن الفكرة جاءت من محاضرة حول الاستدامة حضرتها العام الماضي لروبرت سوان أول من مشي علي القطبين الشمالي والجنوبي وتأثرت كثيرا بتجربته وخبراته وعرضت عليه عقب المحاضرة أن تكون بين المجموعة التي ستسافر معه للقطب الجنوبي فرحب بها كثيرا خصوصا كونها أول فتاة من الإمارات تبادر بذلك واستطاعت الانضمام إلي الرحلة التي تضم 65 شخصا بينهم شخصيات مهمة بالمجتمع من رجال الأعمال والمدرسين والصحفيين والطلاب وخبراء في البيئة من مختلف أنحاء العالم وتقول دانة: لم تكن الرؤية واضحة أمامي تماما في البداية لكن توجهت بعد المؤتمر إلي الشيخ عبدالعزيز النعيمي أول إماراتي وصل إلي القطب المتجمد الجنوبي ونصحني بممارسة الرياضة
واعتماد أطعمة معينة غنية بالبروتينات وتضيف أنها اتبعت كل النصائح المقدمة لها وتقول ركزت علي ممارسة الرياضة لتقوية العضلات كما ركزت علي أنواع من اللحوم والفاكهة وكنت أعمل بشكل فردي لأني كنت أنوي السفر بمفردي دون اللجوء إلي أية جهة معينة وراسلت المؤسسة (البريطانية 2021) الراعية للحدث والمؤسسة تحمل هذا الرقم الذي له دلالة وهي السنة التي ينتهي فيها عمر المعاهدة الخاصة بحماية القطب الجنوبي وغيرت رأيي في المشاركة حين اكتشفت أن الإمارات غير موقعة علي هذه الاتفاقية حيث أردت أن أجعل الإمارات أول دولة نفطية عربية توقع هذه المعاهدة وسأعمل جادة علي ذلك مستقبلا ثم قررت مراسلة بعض الجهات لرعاية هذه المشاركة وهو ما حدث بعد ذلك ومنهم جهة عملي حيث وافقوا علي الفور لدعم الموضوع.
وحول شعورها قبل بداية الرحلة تقول دانة: هذه المرة الأولي التي أقوم فيها بمثل هذه الرحلة التي لا أعتبرها مغامرة شخصية لاكتشاف ذلك المكان فقط بل هي نوع من التحدي الذي خاطبت به نفسي لاكتشاف قدراتي علي التحمل والذهاب إلي أبعد مدي وهي في الوقت ذاته رسالة لكل امرأة إماراتية وعربية لتخطي حواجز وعقبات الحياة مهما كان شكلها أو لونها.
وبعد ذلك انطلقت مرحلة دانة الحمادي التي استمرت نحو 20 يوما وبعد عودتها عقدت عدة لقاءات صحفية تحدثت فيها عن رحلتها قائلة: كانت نقطة الانطلاق من مطار دبي إلي مدينة ساوباولو البرازيلية ودامت الرحلة ما يقارب 15 ساعة ومنها إلي مدينة بيونس أيرس الأرجنتينية ودامت الرحلة خمس ساعات ثم منها إلي شوايا وهي آخر نقطة في الأرض وتقع في جنوب الأرجنتين وبقينا هناك في هذه المدينة 5 أيام قبل الانطلاق حيث تدربنا علي تسلق الجبال وعلي كيفية ارتداء الملابس الخاصة بالرحلة وكيفية تحمل الصقيع والبرد وبعد ذلك انطلقنا في رحلة بحرية تمتد لنحو 1000 ميل بحري في سفينة من نوع كاسحات الثلج ودخلنا بحر ممر دريك،
وهو من أخطر بحار القارة القطبية حيث يرتفع فيه الموج من 10 إلي 20 مترا وبعد 47 ساعة وصلنا لشبه القارة القطبية وتضيف دانة أن المجموعة نصبت مخيما علي أرض القطب المتجمد الجنوبي وباتوا ليلة هناك إلا أنهم اعترضتهم صعوبة كبيرة وذلك لأن نسبة الأوكسجين ضعيفة جدا ويمكن أن تحدث اختناقات. كما أنها أصيبت بدوار البحر بنسبة عالية خلال الرحلة وأصيب أغلب المشاركين بالدوار كما أصيبت دانة بازدواج الرؤية .
وعن المكان تقول: إنه كان هادئا جدا وكنا نتأمل ملكوت الله وعظمته كما تذكر أن المجموعة كانت تتبع تعليمات من العالم البريطاني عن الاقتراب والابتعاد من الحيوانات الموجودة علي القطب لأنها عدوانية وتشير إلي أنهم قضوا 8 أيام في هذه النقطة وكانوا يبيتون في السفينة أما اليوم فيقضونه برفقة العالم سوان في اكتشاف المناطق ودراستها بحيث لقنهم العديد من الدروس عن البيئة وعن الاحتباس الحراري وعن طبيعة الحياة في هذا المكان وتشير إلي أنها كانت رحلة علمية واستكشافية مهمة جدا وأن الواقع بعيد تماما عما يشاهد في الأفلام الواقعية ،
حيث كانت تشهد ذوبان الثلوج في البحر ونعومة الثلوج أما أعلي قمة جبل صعدتها فهي 300 متر وتضيف دانة الحمادي أنها تعلمت من خلال تجربتها قوة التحمل والاكتفاء بالموجود بحيث بقيت معزولة عن العالم إلي جانب كل المشاركين دون اتصالات هاتفية أو تواصل عن طريق الإنترنت طوال مدة وجودها في القطب الجنوبي وأن هذه الرحلة شكلت لها تحديا كبيرا حيث عانت من البرودة الشديدة رغم ما تعلمته من دروس في تقوية القلب وتحمل البرودة من خلال زيارتها للعديد من البلدان الأوروبية بحيث تبلغ درجة البرودة حوالي 15 تحت الصفر.