رصد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقريره حول معدلات الزواج والطلاق في مصر لعام 2010 أرقاما كثيرة تحمل في دلالتها بعض المؤشرات الاجتماعية المهمة.
وتضمنت الإحصائية زيادة معدلات الزواج بنسبة 13,9% تقابلها أيضا زيادة في الطلاق واستحوذ الخلع علي نسبة 66% من أحكام الطلاق.. وفي التحقيق التالي تستعرض نصف الدنيا آراء المتخصصين حول هذه الإحصاءات ومدي ما تعكسه من وضع المجتمع والمرأة خاصة.
وقد استعرض التقرير السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والرحصاء معدلات الطلاق في مصر والذي لايزال علي حاله في ازدياد ربما جاء متقابلا مع زيادة معدلات الزواج أيضا والتي أوضحها التقرير حيث إن حالات ليست بقليلة من المتزوجين عام 2010 تم طلاقهم في العام ذاته.
بلغت معدلات الطلاق العام الماضي 149 ألف حالة بزيادة قدرت بنسبة 5,6% وسجلت أعلي نسبة طلاق بين الإناث من سن 25 إلي أقل من 30 سنة حيث وصلت إلي 22,6% والمطلقين من الرجال من سن 30 إلي أقل من 35 سنة بنسبة 19,2% وكشف التقرير عن أن أحكام الطلاق النهائية بلغت 5050 حكما بزيادة قدرت بـ2235 مقارنة بعام 2009 أي بما يعادل 79,4% بينها 3335 حكما بالخلع بنسبة 66% وتعد محافظة الجيزة أعلي المحافظات في الطلاق بنسبة 4,1 لكل ألف وأقل محافظة هي أسيوط بنسبة 0,8% لكل ألف.. أما الزواج فبلغ عام 2010, 874 ألف عقد بزيادة قدرت بنسبة 13,9% مقارنة بعام 2009 وبلغت أعلي نسبة زواج في الحاصلين علي شهادات متوسطة بنسبة 41,1% للزوجات الإناث و40,5% للأزواج الذكور.
تقول إلهام ربة منزل: الفجوة بين أسرتي المقبلين علي الزواج والتركيز علي الأمور المادية والتسرع في الزواج خوفا من التأخر فيه خاصة للفتاة أبرز أسباب ارتفاع معدلات الطلاق ووجود خلل في منظومة الزواج لذلك لابد من التأني.
تعلق نهال موظفة قائلة: تم طلاقي بعد خمسة أشهر من الزواج فطليقي كان يرفض الإنفاق علي المنزل رغم أنني تحملت أعباء وتكاليف زواجنا وما زاد الخلاف بيننا هو رفضه مساعدتي لإخوتي علي معيشتهم بل امتد الأمر إلي مطالبته لي بان أقطع صلتي بهم فسرعان ما طلقني وانجبت طفلا لم يحاول أن يراه أو يسأل عنه.
وتقول م. أ :أنا ربة منزل متزوجة منذ 15 عاما ساندت زوجي كثيرا وطوال فترة زواجنا لم أكلفه شيئا إلا أنني مرضت واحتجت إلي العلاج لكنه بخل علي كثيرا وعندما أطالبه بنقود من أجل علاجي تحدث شجارات ومعايرة بقوله لي أنت امرأة غير عاملة ولا تدرين علي بيتك دخلا واحمدي ربك أنني أصرف علي أكلك وشربك وسكنك وقد ألقي علي يمين الطلاق أكثر من مرة لكنه طلاق غير موثق.
وكان أبرز ما علق عليه بعض الرجال حول هذه الإحصاءات ما كشفت عنه من ازدياد نسب الخلع, حيث يقول محمد موظف: مررت بتجربة صعبة عندما فوجئت بانفصال زوجتي عني دون علمي بحصولها علي حكم بالخلع بعد أن أخذت أموالي وأولادي لذلك لابد من تعديل قانون الأحوال الشخصية خاصة الخلع والذي يجب أن يكون له استئناف.
يقول الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي: هذه النسب مرتفعة, والمثير للاهتمام أكثر هو ازياد نسب أحكام الطلاق المستخدم فيها قانون الخلع وهذا يشير إلي أن الزوجات هن من يطلبن الطلاق مما يعد ظاهرة حيث إن المرأة هي دائما من تحاول الحفاظ علي تماسك وكينونة أسرتها مهما مرت عليها من صعوبات ولكن ما نقرأه أنه حدث تغير في الشخصية ووضع المرأة حيث أصبحت أكثر استقلالية واعتمادا علي ذاتها فهي تشعر بالاكتفاء الذاتي والقوة وأنها ليست في احتياج إلي الرجل بالإضافة إلي أن المرأة لم تعد تتمتع بصفة الصبر علي مواجهة متاعب ومسئوليات الزواج ولذلك عند مواجهتها لبعض اليكون قرارها بإنهاء العلاقة الزوجية سريعا وهذا يحدث خصوصا في السنة الأولي من الزواج, وأيضا الرجل نلاحظ حدوث تغيير في طبيعته وسلوكه وأدائه في السنوات الأخيرة حيث اختفت صفات الرجولة التي كان يمتاز بها من قبل فلم يعد هو الراعي والمسئول والعائل وهذا جعل كثيرا من الزوجات يرفضن تحمل مثل هذا الرجل الذي يعتمد عليها بإلقاء مهام أسرتهما علي كاهلها ويضايقها أكثر مما ينشغل به عن زوجته وأمور حياتهما فهو قد يرتبط أكثر بأصحابه أو بأهله أو حتي بالكمبيوتر والنت دون اهتمامه بأسرته وهذا يجعل المرأة تشعر بأنها غير مطلوب منها المثابرة والاستمرار في الحياة الزوجية مع رجل بهذه المواصفات مما يشجعها علي اتخاذ قرار الانفصال سريعا.
ويضيف د.المهدي لم يعد بين الشباب وعي كاف بمفهوم ونظام وأهداف الزواج فعندما تكون الأشياء التي تربط الزوجين ضعيفة وواهية فإن الرابطة الزوجية تنتهي لأنها لم تقم علي أساس متين حيث إن كثيرا من الزيجات تتم لمجرد أنه يوجد بعض الشعور العاطفي أو الرغبة أو للهروب من المشاكل وأحيانا لحب الاستطلاع هناك من يتزوجون وهم لا يعرفون لماذا تزوجوا؟ ولكي يقوم الزواج علي أساس متين لابد أن يكون له دعائم كثيرة ومتعددة وجوانب عقلانية واجتماعية ومادية وغيرها فكلما كانت هذه الأمور متوافرة فعمر الزواج سيصبح كبيرا.
ويشير د. المهدي إلي أن ارتفاع نسب أحكام الطلاق أمر يدعو المجتمع المصري بكل مؤسساته ومنظماته إلي ضرورة الانتباه والانتفاض للبحث في هذا الأمر وإيجاد حلول له لأنه إذا استمر هذا الحال علي ما هو عليه فستزيد نسب الطلاق وكل منزل سوف يعيش كارثة بوجود طفل محروم من والده أو والدته بالإضافة إلي أنه عند فشل مشروع زواج بين زوجين فإنهما يشعران بالفشل والخوف من الخوض في تجربة زواج ثانية وهذا ربما ينعكس علي الجوانب الأخلاقية في المجتمع ولذلك فعلي المقبلين علي خطوة الزواج أن يفهموا أولا معني الحياة الزوجية, واقترح أنه مثلما يوجد كشف طبي قبل عقد قران الراغبين في الزواج أن يكون هناك دورات متخصصة للمقبلين علي الزواج لتهيئتهم نفسيا ولإعلامهم بمعني الزواج وبدور كل منهما فيه, كما أنه عند أخذ زوجين قرار الانفصال يجب أن تبذل جهود كبيرة للحيلولة دون وقوع الطلاق من خلال جلسات الصلح ومكاتب الاستشارات الزوجية وذلك لمنع انهيار الأسر وبالتالي انهيار المجتمع المصري ككل.
ويقول د. محمد الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن هذا الارتفاع في نسب أحكام الطلاق غريب علي المجتمع المصري فالأسرة المصرية كان يضرب بها المثل في التماسك وفي إنجاب الذرية التي يشار إليها بالبنان حيث كانت عنوانا ونموذجا علي قوة مجتمعنا لكن ما أظهرته هذه الإحصائية من نتائج هو تداعيات لأسباب كثيرة ربما ترجع إلي ضعف الوازع الديني والغزو الثقافي الغربي لنا وأفكار العولمة من حيث الحريات المتاحة بين الرجل والمرأة وعدم تحمل المسئولية وهذا كله يصب ضد بناء الأسرة وهو ما تأثر به الكثير من الشباب بين الجنسين فقد وجدنا أن بعض الزيجات والتي يتمتع أصحابها بمقدرة اقتصادية تنتهي ربما بعد ساعات أو أيام قليلة وذلك يرجع إلي أن فكرة تحمل المسئولية ليست موجودة لديهم ولأنهم لم يستطيعوا أن يتفهموا مقصد الإسلام والشريعة الإسلامية من بناء الأسرة التي هي سكن ومودة ورحمة فالأمان الحقيقي للمجتمع ينبع من الأسرة الآمنة سليمة البناء لكن الذي نشاهده الآن هو تصدع الأسر المصرية لأهون الأسباب, كما أن هناك عدم اكتراث من قبل العديد من رجال هذا الجيل بدورهم ومسئوليتهم عن الأسرة التي يقومون بهجرها ببساطة شديدة ويتحللون من مسئوليتهم تجاهها بعدما أصبح هناك أطفال في حاجة إلي النمو في أسرة مستقرة وفي حاجة إلي من ينفق عليهم ويتابع أحوالهم فالآن توجد ظاهرة وهي الأم المعيلة التي تعول أبناءها بالرغم من أن الأب علي قيد الحياة وهذه مأساة كبيرة كذلك بعض الأزواج الذين يطالبون زوجاتهم بالإنفاق علي البيت لأنهن إما عاملات أو ينتمين إلي أسر غنية أو الزوج الذي يمن علي زوجته بما ينفق عليها كل هذه تصرفات خاطئة ومنافيه لكلام الله فنصوص القرآن الكريم صريحة وحازمة في مسئولية الرجل عن أهل بيته ولا يصح أن يتطلع إلي زوجته ويجبرها علي أن تسهم في نفقات الحياة الزوجية فهل يرضي الرجل أن تكون للمرأة القوامة عليه؟ فكل هذه أفكار لا تتفق مع ديننا ولا عاداتنا وتقاليدنا ويعد ذلك تخليا من جانب الرجل عن قيامه بمسئولياته الدينية والاجتماعية.
ويشير د. الجندي إلي إن للطلاق تأثيرا مدمرا علي المجتمع المصري لأنه قد يؤدي إلي تشرد الأطفال وزيادة نسب أطفال الشوارع وانحرافهم حيث لم ينشأوا في بيئة طبيعية مما يؤثر علي حاضرهم ومستقبلهم ويؤدي في النهاية إلي تفكك المجتمع وزيادة معدلات الجريمة به ولذلك يجب توعية الشباب من الرجال والنساء لدور الأسرة من خلال دور الإعلام بكل وسائله والخطاب الديني والتعليم فالمقررات التعليمية لا تعطي للأسرة قيمتها ودورها وكذلك منظمات المجتمع المدني فأين دور الجمعيات المتعلقة بالأسرة والطفولة؟
هذه الجمعيات ينبغي أن يكون لها دور مجتمعي وتسهم في حل مشكلة الأسرة فإذا كانت مشكلة اقتصادية حقيقية فتحاول أن تساعدها وإذا كانت مشكلة نفسية فتعالجها.. الخ وبذلك تتضافر جهود المجتمع كلها نحو استنهاض كيان الأسرة المصرية واستعادة صحتها النفسية والدينية والعقلية, وعلي الرجل والمرأة أن يؤمنا بدورهما وبأن كلا منهما حجر الزاوية ومسئول أمام الله والأجيال الجديدة والمجتمع في النهوض بالأسرة وإقامة بنيانها والانطلاق بها نحو أن تكون أسرة مسلمة حقها لأن هذه الأسرة هي التي تستطيع أن تجعل المجتمع والوطن كما أراد الله سبحانه وتعالي فيكون هناك تضامن وتماسك بين كل فرد من أفراد المجتمع.
ويضيف د. الجندي : قانون الخلع به بعض الثغرات وهناك استخدام خاطئ له من قبل بعض السيدات اللاتي يلجأن له باستسهال للانفصال عن الزوج علي أمور ربما لا تستدعي الانفصال فقد تكون الزوجة في لحظة انفعال وأخذت قرارها بتفكير سريع ولذلك ينبغي أن يكون في قضايا الخلع استئناف حتي تكون هناك فرصة لتراجع المرأة نفسها.
وتقول الدكتورة نسرين بغدادي أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث: هناك ملاحظات عدة نرصدها في النشرة الإحصائية حول الزواج والطلاق العام الماضي من بينها أن ارتفاع معدلات الزواج تشير إلي وجود استقرار اقتصادي نسبي, أما بالنسبة لارتفاع الزواج في الحاصلين علي مؤهل متوسط فهو يرتبط في تقديري بحصولهم علي فرص عمل حيث إن الحاصلين علي المؤهل المتوسط يلتحقون بالكثير من الأعمال الحرة خارج الإطار الحكومي مما يساعدهم علي إمكانية الارتباط وفي المقابل تقل نسب الزواج بين الحاصلين علي المؤهلات العليا لعدة أمور منها التطلع لنمط من الحياة أفضل وربما ينعكس هذا علي مقاييس الزواج لدي هذه الفئة إلي جانب تأخر الحصول علي فرص العمل المناسبة.
وبتأمل التقرير الذي نحن بصدد الحديث عنه نجد أن معدلات الزواج أعلي في الريف لوجود خصوصية لقدسية الحياة الزوجية وانخفاض تكاليف الزواج مقارنة بتكاليفها في الحضر, كما أن فكرة زواج الابن مع أسرته في الريف من العوامل التي جعلت مسألة الارتباط يسيرة.
أما بالنسبة للطلاق فيبدو واضحا من استعراض الفئة العمرية التي يحدث فيها الانفصال أن الطلاق يحدث في السنوات الأولي من الزواج حيث عدم التوافق بين الزوجين, فالزواج يتطلب قدرا كبيرا من التفاهم وأن يحاول كل طرف أن يتفهم الطبيعة المغايرة للطرف الآخر وأن يدركا أن الأمر شراكة, فرسم صورة مغايرة للواقع عن الزواج وتدخل أطراف كثيرة بين الزوجين سواء الأسرة أو ما نلحظه في هذه الآونة من بعض الأصدقاء الذين يتعرضون لتجارب غير ناضجة فيقومون بنقل تجاربهم المنقوصة إلي المتزوجين حديثا وهذا يساعد بالطبع علي حدوث الصدام الذي يؤدي للطلاق السريع فمن المؤسف وهذا ما لمسته في الكثير من الحالات ان طلاقهم السريع جاء متأثرا بمن حولهم من أصحاب أو أقارب لذلك نحذر من الاستماع إلي نصائح من لا توجد لديهم الخبرة الكافية أو يحاولون إفشال العلاقات الزوجية للآخرين كما حدث لهم, فالزواج علاقة تكاملية والحقيقة أن خروج المرأة للعمل جعل لها شخصية مادية مستقلة وإحداث البعض مشكلات بسبب القول بأن الرجل يتكفل وكل شيء فيه نوع من التناقض لأنه إذا كانت المرأة ترغب في أن تكون شخصية مستقلة فكيف تريد أن تكون شخصية تابعة فالزواج مشاركة من الطرفين بشرط الا يتخلي كل طرف عن مسئولياته أو يترك الرجل الأمور كلها علي عاتق المرأة إما بالتخلي عنها أو سوء استغلالها, أما بالنسبة للخلع وأود أن أوضح في البداية أنه وبغض النظر عن ارتباطه بفترة معينة سابقة في مصر من أحد المكتسبات التي حصلت عليها المرأة فهو رخصة أحلها الله للطلاق وساعدت في حل كثير من مشكلات السيدات اللاتي يجدن تعثرا في الطلاق وبشكل عام أدعو إلي الحفاظ علي بعض المكتسبات التي حصلت عليها المرأة سواء فيما يتعلق بالعمل أو قوانين الأحوال الشخصية أو الوضع المجتمعي لأن تقييم مدي تقدم أو تراجع مجتمع ما يرتبط بوضع المرأة فإذا كان جيدا سينعكس هذا بالإيجاب علي المجتمع وإذا كان سيئا سيكون المجتمع مترديا.
وحول رؤيتها لمعدلات الزواج والطلاق هذا العام 2011 أكدت د.نسرين أنها تتوقع انخفاض معدلات الطلاق والزواج بسبب أن كليهما مكلف وأشارت إلي أن عدم استقرار الأوضاع وانعكاسه علي الوضع الاقتصادي سيجعل الإقبال نحو أي خطوة للانفصال أو الارتباط يتم حسابها بشدة.