تبدو العلاقة بين الفنانين المصريين والسياسة وثيقة الصلة، فلا يمكن فصل الفن عن السياسة، وشهدت الأعوام الماضية مشاركة سياسية واضحة من الفنانين، وطالما كان الفن ومازال المعبر الأقوى عما يدور داخل أي مجتمع من إيجابيات وسلبيات، فالفنان ينتقل بالجماهير من مجتمعهم الكبير إلى شاشتهم الصغيرة، وبعد قيام ثورة يناير 2011 لم يستطع الفنان المصري أن يظل داخل الشاشة بل خرج ليعبر عن رأيه في الواقع الكبير سواء كان معارضا أم مؤيدا.
أسماء شهيرة تضمها قائمة الفنانين الذين شاركوا في الحياة السياسية بآراء ومواقف أحيانا كانت في صالحهم وأحيانا كانت نقمة عليهم وعلى فنهم لكثرة المنتقدين لهم، فرأينا بعضهم بميدان التحرير مثل خالد النبوي، وشريهان، وبسمة، وخالد صالح، وعمرو واكد، وخالد أبو النجا، ورأينا آخرين بميدان مصطفى محمود مثل عمرو مصطفى، وطلعت زكريا، وغادة عبد الرازق، أما بعضهم رغب في التمثيل الرسمي بدءً من مؤسسة الرئاسة وحتى مجلسي الشعب والشورى مثل تيسير فهمي، وهند عاكف، وسميرة أحمد، ومصطفى كامل، ومحمد صبحي، الذي اعتذر عن عضوية مجلس الشورى لأسبابه الخاصة إبان فترة حكم الرئيس السابق، محمد مرسي.
ومؤخرا، تصدرت أخبار بعض الفنانين الذين قرروا الترشح للانتخابات البرلمانية بعض عناوين الصحف والمجلات، منهم المخرج خالد يوسف الذي يواصل هذه الأيام جولاته الانتخابية في كفر شكر، من أجل خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأيضا الفنان حمدي الوزير قرر الترشح للبرلمان في مسقط رأسه بورسعيد، وفي الوقت نفسه، قال الفنان محمود قابيل، إنه ينوي أن يكون ممثلا عن الجاليات المصرية بأوروبا في مجلس الشعب القادم.
وخوض نجوم الفن وصناع السينما انتخابات البرلمان ليس بجديد، فسبق وجلس أكثر من فنان تحت قبة البرلمان ليشاهده أنصاره ومحبيه يلعب دورا آخر مختلفا عما اعتادوا رؤيته فيه على شاشات السينما والتلفزيون، فوقتها يكون ممثلا لهم يطالب بحقوقهم ويعبر عنهم في ساحة جديدة.
ونرصد لكم 7 فنانين كانوا أعضاء في مجلسي الشعب والشورى.
7-حسين صدقي
منذ دخول الفنان الراحل، حسين صدقي، عالم الفن في أواخر الثلاثينيات، حاول إيجاد سينما هادفة بعيدة عن التجارة الرخيصة، وعالجت أفلامه بعض المشكلات، مثل مشكلة العمال التي تناولها في فيلمه «العامل» عام 1942، ومشكلة تشرد الأطفال في فيلمه «الأبرياء» عام 1944، وغيرها من الأفلام الهادفة.
وأسس عام 1942 شركة مصر الحديثة للإنتاج لتخدم الأهداف التي كان يسعي لترسيخها في المجتمع، وكان يري أن هناك علاقة قوية بين السينما والدين، لأن السينما كما يقول من دون الدين لا تؤتي ثمارها المطلوبة في خدمة الشعب، اعتزل حسين صدقي السينما في الستينات، وقام ببطولة 32 فيلماً.
وبعد اعتزاله للفن في الستينات، وافق «صدقي» على الترشح لأحد المناصب في البرلمان بناءً على طلب جيرانه وأهل حيه، ونجح بشكل ساحق في الحصول على عضوية البرلمان بالانتخاب المباشر وتم انتخابه عام 1961 عضواً في مجلس الأمة مجلس الشعب حالياً، الذي تم حله بعد عام واحد، ما أهله إلى تمثيل أهل دائرته في البرلمان، وعرض مطالبهم، والعمل على حل مشاكلهم، ورغم أنه لم يرشح نفسه في الانتخابات التي تلت حل مجلس الأمة، فأصر «صدقي» على اعتزال الحياة الفنية حتى وفاته في العام 1976.
وقال «صدقي» في حوار أجراه، إنه ابتعد ولم يكرر التجربة مرة أخرى، لأنه لاحظ تجاهل من قبل المسئولين للمشروعات التي يطالب بتنفيذها، والتي كان من بينها منع الخمور في مصر.
وأثناء توليه مهمته في البرلمان، بنى «صدقي» أول عمارة تعاونية عام 1964، بحيث يمتلك سكانها الشقق بواسطة بيعها وليس تأجيرها، وخصص للعمارة أيضا قانون ولائحة وضعها «صدقي» ليسير على نظمها جميع ملاك الشقق، وكان ضمن اللائحة مشروع اسمه «صندوق العمارة» يساهم فيه كل صاحب شقة بدفع مبلغ جنيه كل شهر، بهدف الإنفاق على صيانة العمارة وتسديد فاتورة «نور السلم»، ويجوز لأي مالك في العمارة الاقتراض من الفائض في الصندوق بدون فوائد في أي وقت يكون في حاجة إليه.
6- فايدة كامل
أما أشهر أهل الفن في مصر الذين دخلوا البرلمان وأطولهم عمراً فيه هي المطربة السابقة فايدة كامل نائبة الحزب الوطني المنحل عن دائرة حي الخليفة في القاهرة لسنوات عدة، وترأست لجنة الثقافة والإعلام والسياحة في مجلس الشعب.
ورغم أنها كانت زميلة المطرب عبد الحليم حافظ أثناء الدراسة في معهد الموسيقى وحققت نجاحات فنية بدءاً من الخمسينات وحتى السبعينات خصوصاً في مجال الأغنية الوطنية، ففضلت «كامل» قبل أعوام التوقف عن الغناء والتفرغ للعمل البرلماني والالتحاق في أمانة المرأة في الحزب المنحل.
وولدت «كامل» لعائلة فنية، فهي شقيقة الموسيقار الراحل عبد الرحمن كامل ومطربة الأوبرا عايدة كامل، والتقت في بداية الخمسينات بنقيب الشرطة النبوي إسماعيل الذي تزوجته وأصبح فيما بعد وزيرًا للداخلية في عصر الرئيس محمد أنور السادات ما أحدث انقلابا في حياتها حيث تحولت إلى المسار السياسي واستطاعت أن تحتفظ بكرسي البرلمان على مدار 34 عاما متواصلة ما جعلها تدخل موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية العالمية كأقدم برلمانية في العالم.
اقتحمت «كامل» للمرة الأولى عالم السياسة عام 1966، وفي ذلك الوقت كانت مقررة التنظيم النسائي بقسم الخليفة، ورشحت نفسها في الانتخابات البرلمانية أمام 13 رجلا، وفازت عليهم وحصلت على 15 ألف صوت، أي ما يوازي 93% من جملة الناخبين، ودخلت البرلمان في 11 نوفمبر عام 1971 وحتى نهاية الفصل التشريعي في عام 2005، وكانت بذلك أول فنانة مصرية تدخل البرلمان.
ومنذ أن توليت «كامل» المسؤولية في مجلس الشعب، عملت على تنفيذ عدد من المشروعات مثل إدخال مشروع الصرف الصحي ومياه الشرب ورصف الطرق وبناء 11 مدرسة وإنشاء 5 مراكز للشباب إلى جانب اهتمامها ببناء المؤسسات الخيرية لرعاية الفقراء والأيتام وبناء المستشفيات، كما مثلت المرأة المصرية في كثير من المؤتمرات الدولية، وناقشت عدد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة، مثل قانون الخلع، وقانون إعطاء الجنسية المصرية لأبناء الأم المتزوجة من أجنبي وكانت آخر أعمالها في رئاستها للجنة الثقافة والإعلام والسياحة هو إعدادها لمشروع قانون الحفاظ على التراث السينمائي المصري، للحفاظ على الأفلام السينمائية التي تعتبر تدوينا وتسجيلا لثقافة الشعب المصري.
5-حمدي أحمد
تخرج الفنان حمدي أحمد من معهد الفنون المسرحية عام 1961، والتحق بفرقة التليفزيون المسرحي، وكان أول عرض يشترك فيه «شيء في صدري» إخراج نور الدمرداش، قدم مسرحيات أهمها «الأرض، والشيخ رجب، والشوارع الخلفية، وقلوب خالية، والحصاد، وأدهم الشرقاوي»، واشترك في عدة مسلسلات تلفزيونية أهما «الظاهر بيبرس، وبعد العاصفة، وكلام رجالة، والوسية، ومملوك في الحارة، وشارع المواردي، وبوابة المتولي».
فاز «حمدي» بجائزة أحسن وجه عام 1966، وشغل منصب مدير المسرح الكوميدي عام 1985، وحصل على الجائزة الأولى عام 1967 من جامعة الدول العربية عن دوره في فيلم «القاهرة 30»، وقام ببطولة ما يزيد عن 35 مسرحية و25 فيلم سينمائي و 30 فيلم تليفزيوني و 89 مسلسل تليفزيوني وما يزيد عن 3000 ساعة إذاعية.
مارس «حمدي» السياسة وانتخب عضوا بمجلس الشعب عام 1979 عن دائرة بولاق، في القاهرة مرشحاً عن حزب العمل الاشتراكي المعارض في الفترة من 1979 إلى 1984، لكنه لم ينجح عن الدائرة نفسها في الانتخابات التالية، وهو كاتب سياسي بجريدة الشعب والأهالي والأحرار والميدان والخميس، ويكتب «رؤية» بجريدة الأسبوع منذ 1998.
ويقول «حمدي» في أحد حواراته الصحفية «انسحابي من الحزب كان نتيجة للخلاف بيني وبين إبراهيم شكري رئيس الحزب في ذلك الوقت، ففي إحدى جلسات المجلس كنا بصدد مناقشة قانون الصحافة وقانون الإدارة المحلية وهو من أخطر القوانين وثيقة الصلة بحاجات الجمهور، وقام إبراهيم شكري وتحدث لمدة 45 دقيقة ثم أعلن انسحاب الحزب من البرلمان دون أن يتفق معنا، ومن هنا بدأ الشك في شكري فهذا القرار كان قرارا فرديا بالتعاون مع الحزب الحاكم حيث قالو له (الريس عايز يمرر قانون الصحافة والإدارة المحلية) وتم عقد الصفقة بينهم».
وأضاف «حمدي» إنه رفض الانسحاب وعندما طلب الكلمة، قال له رئيس المجلس «حزبك انسحب»، والسبب الآخر لانسحابه كان رغبة «شكري» التحالف مع الإخوان المسلمين، خاصة أنه رجل اشتراكي للنخاع ومازال مؤمنا بمبادئ الاشتراكية.
وكان «حمدي» على خلاف مع صفوت الشريف، بعدما اتصل به وطلب منه مقابلة الوزير وقتها فؤاد محي الدين، الذي طلب منه الانضمام للحزب الوطني، كنه رفض، ووقتها بدأت العداوة.
وقال «حمدي» في تصريح له إنه كان على خلاف مع السادات عندما أراد تحويل المنطقة الشعبية الموجود بها دائرته إلى منطقة رجال المال والأعمال، ووقف ضده وقال له «عندما طورت بلدك ميت أبوالكوم طورتها في نفس ميت أبوالكوم وأنا عايز أطور بولاق في نفس بولاق وملعون أبو اللي يشم هوا النيل بتاع بولاق قبل أهلها».
وذكر «حمدي» «أهم إنجاز شخصي حققته هو أنني عندما دخلت مجلس الشعب سياسيا خرجت منه ممثلا لأنه مجلس تمثيل والذي يدخل التاريخ فقط هو الفرعون وهذا ما تعودنا عليه كمصريين فالشعب المصري دائما ما يصنع المعجزات ويخطوها الفرعون باسمه علي جدران المعابد».
4-محمود المليجي
كانت تلك هي الأولى من نوعها لاختيار فنانين لعضوية أحد مجلسي البرلمان، بعدما اقتصر على محترفي السياسة وأصحاب الأموال، لذلك يعد محمود المليجي رائد فناني مجلس الشورى، بعد أن تم اختياره في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وعين عضوا في مجلس الشورى عام 1980 في مفاجأة هزت الأوساط الفنية في ذلك الوقت كأول فنان يشارك سياسيا تحت قبة البرلمان.
كانت البداية عندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات إنشاء مجلس الشورى برئاسة الدكتور صبحي عبدالحكيم، ووقتها قرر تعيين عدد قليل من رموز الفن في عضوية المجلس صاحب السلطات المحدودة، ربما للديكور أو إضفاء لهذا المجلس الذي يضم أطيافا مختلفة بجانب السياسيين وأول من فكر فيهم الرئيس الراحل السادات الفنان الراحل، «المليجي»، أحد أهم الرموز الفنية في تاريخ السينما المصرية في القرن الـ20.
ووقت إعلان هذا النبأ كان مسافراً لتصوير فيلم «جنون الشباب» عام 1980، وبهذا بدأ «المليجي» مشوارا استكمله آخرون بعد وفاته وحتى وقتنا هذا.
3-محمد عبدالوهاب
الشخصية الفنية الثانية التي اختارها السادات لعضوية مجلس الشورى كان الفنان العملاق محمد عبدالوهاب، ويبدو أن الرئيس الأسبق مبارك استغل ذكاء السادات فقرر أيضا اختيار موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب كعضو بمجلس الشورى خلفا لـ«المليجي» الذي رحل في 6 يونيو 1983.
وتم اختيار «عبدالوهاب» لعضوية مجلس الشورى عام 1983، واختير عضوًا في مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون في العام نفسه، وكانت تربطه صداقة شخصية بالسادات الذي منحه عام 1979 رتبة اللواء، وارتدى الزي العسكري وهو يقود معزوفة السلام الوطني بعد توقيع معاهدة السلام 1979.
وكان «عبد الوهاب» يعشق ركوب البحر ويسافر دائمًا بالبواخر ويرفض السفر بالطائرة، ولم يستقل الطائرة سوى مرة واحدة في حياته عندما كان خارج مصر وطلبوه على وجه السرعة لحلف اليمين لتعيينه بمجلس الشورى عام 1983.
وكان «عبدالوهاب» دائم الحضور من أول يوم ولم يمنعه عن ذلك سوى مرضه في أيامه الأخيرة، ومن المعروف أنها لم تكن خطوته الأولى نحو السياسة، إذ ربطته صداقات قوية مع مصطفى النحاس ومكرم عبيد وأحمد ماهر، وكان دائما يؤمن أن «الفنان إذا لم يكن فناناً فمن الممكن أن يكون سياسيا».
2- أمينة رزق
مشوار أمينة رزق الفني بما يحمله من قيمة واحترام رشحها لتكون صاحبة بصمة في مجال السياسة حيث عينت عضوا بمجلس الشورى في مايو 1991 بعد وفاة «عبدالوهاب»، لتكون أول فنانة تدخل مجلس الشورى كعضوة، كما حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وكان اختيار مبارك لـ«رزق» لعضوية مجلس الشورى تقديرا لعطائها الفني الطويل ، وكان لها دورا مؤثرا عندما كانت تتحدث تحت قبة مجلس الشورى فكانت فنانة مهمومة بمشاكل الناس.
وكان الأمر شاقاً عليها فاختيارها لتحل محل موسيقار الأجيال بعد وفاته سبّب لها الكثير من القلق، وحاولت قدر طاقتها أن تقوم بدورها على أكمل وجه، إذ كانت «خام» على حد وصفها، واهتمت طوال عضويتها بالتشريعات الخاصة بالضريبة الموحدة وتجارة المخدرات والعقوبات التي توقع على المدمنين وكذلك قضايا المرأة والأحوال الشخصية والفنية، وبذلك تحولت الخام إلى «زعيمة المعارضة»، وقدمت استجواباً لوزير الثقافة وقتها فاروق حسني عن حالة المسرح المصري الذي أصبح لا يُصدر الفن الراقي للخارج بل يصدر الفنون الشعبية وكأن بلدنا بلد «رقص»، على حد قولها.
1-مديحة يسري
عين مبارك الفنانة مديحة يسري في مجلس الشورى بالدورة الجديدة في يوليو عام 1998، وسمعت خبر تعيينها في نشرة أخبار التاسعة في التلفزيون المصري، وقالت إنها تفاجأت بشدة لهذا القرار.
وبعد 7 أعوام من عضوية «رزق» جاءت عضوة جمعية فناني وإعلاميي الجيزة مديحة يسري، التي طالما حلمت بهذا الدور واعتبرته أكبر جائزة بحياتها، لذلك شاركت في أكثر من لجنة داخل المجلس، مثل لجنتي الآثار والإعلام وقامت خلال ذلك بزيارة معابد الأقصر وفحص المراكب السياحية وقصور الثقافة وغيرها، كما كانت الوحيدة التي دائماً ما تبدأ الحديث عن السينما فاقترحت إنشاء قسم لفنون السينما داخل مكتبة الإسكندرية وقسم آخر للقصائد والأغاني، وإنشاء بنك يدعم السينما المصرية وتكاليفها الباهظة.
ولم تقتصر حياة «يسري»، في تلك الفترة، على البرلمان، الذي تنعقد جلساته 3 مرات أسبوعياً، بل وزعت وقتها بين المجلس والمناقشات السياسية الساخنة والجمعيات الخيرية التي انضمت إليها، من بينها، لجنة الصداقة بمستشفى قصر العيني، وجمعية مكافحة الإدمان، ولجنتا الثقافة والبيئة بجمعية كتاب وإعلام الجيزة وغيرها من الجمعيات.